عفة لتعزيز الفضيلة

أضرار المواد الإباحية على العلاقات الشخصية

كتبته: نعومي براور

 

تعتبر مسألة تأثير المواد الإباحية على العلاقات الشخصية أحد الموضوعات القديمة، ولكن ظهور الإنترنت وانتشاره زاد من الانفتاح على المواد الإباحية وساعد على تفاقم الدوافع الموجودة سلفًا لدى مدمني الإباحية لمشاهدتها (كوبر وبويس وماهيو وغرينفيلد ١٩٩٩، ويونغ ٢٠٠٨). ولعل أحد العوامل الأساسية التي ساعدت على زيادة هذا الانفتاح هي أن هذا المحتوى أصبح في متناول اليد ويمكن الوصول إليه بكل أريحية وسرية تامة، وذلك لطبيعة الإنترنت التي تساعد على التواجد عليه بهوية مجهولة (كوبر ١٩٩٨، ويونغ ٢٠٠٨، ويونغ وكوبر وغريفن شيلي وأومارا وبوتشانان ٢٠٠٠).

لا يتوقع كثيرٌ من الأشخاص أن مشاهدة المواد الإباحية له تأثير سلبيًّ على حياتهم، ولكنها تؤثر تأثيرا كبيرا على حياة مدمنها وأسرته ومكان عمله أو حتى مجتمعه، إذ تحظى العلاقة بين الزوجين بنصيب الأسد من هذا التأثير السلبي الضار لتلك المواد الإباحية (ماننغ، ٢٠٠٦)، وسنستعرض في هذا المقال بعضا من أضرار المواد الإباحية على العلاقة بين الزوجين وسنقدم خطة للعلاج لأي علاقة تضررت بفعل إدمان أحد طرفيها للمواد الإباحية.

 

أضرار المواد الإباحية:

للمواد الإباحية أضرار وخيمة على كِلا طرفي العلاقة، المدمن وزوجه، فبعض الأضرار الشائعة على مدمني هذه المواد تظهر في الإدمان والعزلة وتزايد السلوك العدائي وتشوه نظرتهم تجاه العلاقة إجمالا والعلاقة الجنسية تحديدا، إضافة إلى شعورهم بمشاعر سلبية تجاه أنفسهم وإهمالهم لجوانب أخرى مختلفة من حياتهم (مالتز ومالتز ٢٠٠٦، وماننغ ٢٠٠٦)، وغالباً ما تؤثر هذه الأضرار على جوانب أخرى من حياتهم وبالأخص علاقاتهم بعائلاتهم وكذلك علاقتهم الزوجية. كما يطال هذا الضرر العلاقة الجنسية بين الزوجين على النحو التالي (بريدج وبيرنغر وهيسون مكينز ٢٠٠٣، ولاندو وغاريت وويب ٢٠٠٨، وماننغ ٢٠٠٦، وشيندر ٢٠٠٠أ، وشيندر ٢٠٠٣):

 

  • مواجهة المدمن صعوبة في الإثارة الجنسية بدون مشاهدة المواد الإباحية.

  • لا يشعر المدمن بالانجذاب الجنسي للطرف الآخر في العلاقة، وبالتالي تقل ممارسته للجنس معه.

  • نظرة الطرف الآخر للعلاقة لهذا الإدمان وشعوره بأنه خيانة له ولعلاقتهما معا.

  • شعور الطرف الآخر بالتهديد وبعدم كفاءته جنسيا.

  • شعور الطرف الآخر بالإساءة تجاه بعض النشاطات الجنسية التي يرغب المدمن بممارستها.

  • معاناة كِلا الطرفين من التباعد العاطفي وانخفاض الرضا الجنسي في العلاقة.

  • قلة الثقة في العلاقة بسبب التضليل والخداع فيما يخص مشاهدة المواد الإباحية.

  • شعور أحد الطرفين أو كلاهما بالقلق من تعرض أطفالهما لهذه المواد الإباحية.

 

خطوات نحو التغيير

ربما يكون من الصعب تجنب وقوع أضرار على العلاقات جراء إدمان المواد الإباحية ولكن التعافي منها أمر ممكن، إذ يجب على الفرد أولاً أن يتخذ الخطوات التي تؤدي به نحو التعافي ويكون ذلك برغبة منه، فقد يكون التعافي بتشجيع الآخرين على اتخاذ هذه الخطوات للإقلاع عن إدمان الإباحية ولكن المدمن وحده هو من يستطيع إحداث هذا التغيير (لانداو وغاريت وويب ، 2008)؛ إن لم يكن هناك محفز داخلي فسيكون التغيير سطحيا أو قصير المدى على الأرجح، ثم بعد ذلك يجب على الفرد أن ينفذ استراتيجيات تقوي لديه الحوافز التي تشجعه على التوقف عن مشاهدة المواد الإباحية، وتتضمن تلك الاستراتيجيات:

 

  • إدراك وفهم المدمن أن المواد الاباحية تسبُّب في خلق المشكلات:

 

من المهم أن يأخذ الأشخاص الذين يعانون من الإدمان وقتًا لتقييم مدى تأثير مشاهدتهم السابقة للمواد الإباحية على حاضرهم وكيف سيؤثر ذلك الإدمان على مستقبلهم، فهذه الخطوة ستفيد في تقوية عزائمهم على التغيير، أما الأزواج فسيفيدهم التحدث إلى بعضهما بصراحة عن أضرار إدمان الإباحية. وعلى الرغم من صعوبة التطرق إلى هذا الموضوع فإنه يجب على كلا الزوجين التعبير عن مشاعرهما تجاه مشاهدة المواد الإباحية بإرادتهم واختيارهم التام دون أن يقاطع أحدهما الآخر أو يحكم عليه، ولو اشتدت حدة النقاش فالأفضل أن يتفقا على إيقافه ومعاودة الحديث عن الموضوع عندما يهدأ غضبهما وإحباطهما.

 

  • مراجعة المدمن وإعادته لترتيب مبادئه لتحفيزه نحو التغيير:

الاشخاص الذين يأخذون وقتهم في إعادة النظر في قيمهم ومعتقداتهم وأهدافهم والتفكير فيما يريدون أن تكون نظرتهم تجاه أنفسهم ونظرة الآخرين لهم هم الذين يتحفزون

 

  • مواجهة المدمن لمخاوفه تجاه طريقة وأسلوب حياته بعد إقلاعه عن المواد الإباحية:

عادةً ما يكون هناك سبب للجوء الأشخاص إلى مشاهدة المواد الإباحية في البداية، لذلك يشكل التخلي عن هذه العادة تحديًا لهم (يونغ، 2001 )، ويعد تحديد وإدراك مخاوف معينة تتعلق بما قد يحدث للمدمن عند إقلاعه عن إدمان المواد الإباحية خطوةً هامة للتخلص من هذه المخاوف نهائيا.

 

  • تحمل المدمن لمسؤولية تعافيه بنفسه

يستطيع الآخرون تقديم الدعم والتشجيع للمدمن ولكنه وحده من يستطيع تحديد ما إذا كانت لديه الرغبة والإرادة للتغيير أم لا، كما يستطيع الأشخاص الذين يرغبون في التغيير بتوجيه من مستشارين ذوي خبرة أن ينشئوا خطةً لهم تساعدهم على تحمل مسؤولية التعافي وتكوين نجاحات متتالية تساعدهم على التغيير على المدى البعيد (شنايدر 2000، شنايدر ووايس 2001، زيتزمان وبتلر، 2005).

 

اتخاذ المدمن للتدابير اللازمة للتغيير

 

يحتاج المدمن إلى خطوات إضافية لينجح في الإقلاع عن إدمانه للمواد الإباحية بعد استعداده للتغيير وتحفُّزَه له، وبسبب طبيعة المواد الإباحية المتحفظة فإن المدمن غالبًا ما يجد صعوبة في مناقشة مشاكل إدمانه مع الآخرين.

ولكن من المستحيل في الغالب أن يقلع المدمن عن هذا السلوك الإدماني المترسخ دون مساعدة مستشار أو معالج مؤهل وماهر للفرد والأسرة

(لانداو وغاريت وويب 2008، زيتزمان وبتلر 2005)، فالمستشار المؤهل والماهر له دور أساسي في مساعدة الأشخاص والأسر على التغلب على المشكلات الشخصية ومشكلات العلاقات،  كما قد يقترح المستشار أيضا أن يشارك المدمن في برنامج للعلاج أو إنشاء نظام لدعمه وسؤاله عما فعل بيومه على مدار24 ساعة.

كما أن إنشاء بيئة خالية من المواد الإباحية بالتخلص منها تماما ومنع أي وصول في المستقبل إليها باستخدام خدمة تصفية محتوى الإنترنت أو إلغاء الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف الخلوي يعتبر من الإجراءات الوقائية المفيدة، ويفيد أيضا وضع جهاز الكمبيوتر في منطقة يسهل الوصول إليها في المنزل، فهو إجراء وقائي إضافي يقلل من إغراء الشخص للوصول إلى المواد الإباحية.

وأخيرًا، من المفيد أن ينشئ المدمن خطة عمل لأنشطة إيجابية بديلة ليغير من أنماط سلوكه القديمة ويبني لديه مشاعر تقدير لذاته وثقته بنفسه.

كما يُقترح على المدمنين أن يمارسوا الرياضة والتمارين، أو البدء بهوايات جديدة أو تكوين صداقات أو أي نشاط صحي آخر يستمتعون به، إذ يعزز ذلك لديهم الصحة الجسدية والعاطفية عندما يمضون وقتاً في ممارسة السلوكيات الصحية، ويدعمهم ذلك في تقويتهم لينشئوا نمط حياة خالٍ من الإباحية.

 

أساليب التعامل مع الأزواج المدمنين للإباحية

يعتبر وجود معاناة لأحد الزوجين من إدمان المواد الإباحية أمرًا صعبًا للغاية، وغالبًا ما يشعر الأزواج بالمسؤولية أو يلومون أنفسهم على سلوك أزواجهم الإدماني (شنايدر ٢٠٠٠ أ، شنايدر، ٢٠٠٣). وتوفر المجموعات الداعمة للتعافي أو التحدث إلى شخص مؤهل المحضن الآمن للأزواج ليتشاركوا إحباطاتهم ويتعلموا مهارات التعامل أزاوجهم المدمنين، ولكن يجب أن نتذكر أن تغيير الآخرين أمر مستحيل، وأن الله لا يغير ما  بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ونضع ذلك في عين الاعتبار، ونفس الوقت ذاته لا بد أن يكون الأزواج مشجعين وداعمين لقرارات أزواجهم المدمنين الراغبين في التغيير.

فالاعتراف بالإدمان ليس سهلاً على المدمن، وعلى الأزواج المحبين والمتعاطفين تشجيع التغيير ومساعدة أزواجهم المدمنين على إيجاد طرق إيجابية لتجاوز الإدمان (مالتز ومالتز، ٢٠٠٦، وزيتزمان وبتلر، ٢٠٠٥)، وعلى الأزواج أيضًا طلب الدعم من بعضهم ليحسنوا التعامل مع آلامهم خلال هذا الوقت الصعب ويكونوا قادرين على تقديم هذا الدعم، كما يساعد تخصيص وقت خاص لأداء الأنشطة الصحية على تعزيز صحة الأزواج العاطفية والجسدية واستعادة احترامهم لذواتهم.

 

تعافي العلاقة بين الزوجين

عندما يلتزم كلا الزوجين بالعمل معًا لتكون علاقتهما صحية سيستطيعان حينها البدء في إصلاحها، وقد تستغرق هذه العملية وقتًا طويلاً؛ لو كان كلا الزوجين على استعداد للإصلاح  فبإمكانهما بناء أو إعادة بناء علاقة المحبة والترابط بينهما. وسيفيد في ذلك توجيه المستشار أو المعالج المؤهل لهما أثناء عملية التعافي نظرًا لطبيعة إدمان المواد الإباحية وأضرارها المتوقعة على العلاقات، كما سيفيد الأزواج طلب المشورة من رجل دين ثقة ليقدم لهما الدعم والتوجيه أثناء هذه المرحلة. وتتضمن المسائل التي تحتاج إلى العمل عليها مسائل الثقة والحصول على تعاطف أحد الزوجين لزوجه المدمن والانتقال من الغضب منه إلى التسامح (بيرد ٢٠٠٦، ومالتز ومالتز ٢٠٠٦، وزيتزمان وبتلر ٢٠٠٥)، كما يساعد اكتساب مهارات التواصل بين الزوجين وإيجاد طرق جديدة للتواصل الحميمي بينهما على تعافي العلاقة، ولربما تصعب عملية تعافي العلاقة بين الزوجين إلا أن مرور الوقت ومساعدة الأشخاص المؤهلين من شأنه تجديد الثقة بينهما وتحسين تواصلهما وزيادة حميمية علاقتهما.

 

 

الخاتمة

غالبًا ما يدخل موضوع تعاطي المواد الإباحية حيز المحظورات التي لا يناقشها المجتمع، لكنه أمر مدمر جدًا للأشخاص وعلاقاتهم مع الآخرين، وقد يصعب التغلب على سلوكيات مشاهدة المواد الإباحية لكن وجود الإرادة يسهِّل الشفاء لكل من المدمنين وعلاقاتهم مع الأشخاص الذين في محيطهم.

 

المترجمات:

وفاء الدروبي – شوق الجهني – هناء الفارس – فاطمة أحمد الربعي

المدققات:

أمجاد الغامدي – غادة ماجد

التدقيق النهائي للمقالة: هاجر العمري

 

 

 

شركاء النجاح

حمل تطبيق جمعية عفة