يغفل بعض الناس عن الآثار الضارة لمشاهدة المحتوى الإباحي، وتنتشر بينهم أيضًا العديد من المفاهيم الخاطئة حول هذه القضية، مثل مفهوم أن إدمان الإباحية هي مشكلة تصيب الرجال فقط. تُطبّع بعض المجتمعات في عصرنا الحالي مشاهدة المحتوى الإباحي، ولكن هذا التطبيع لا يعني أنه آمن، فقد أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث العلمية أن متابعة المحتوى الإباحي تتحول لسلوك قهري أو في بعض الحالات لإدمان مدّمر. مع ذلك نجد العديد يغفلون عن آثاره وتشيع لديهم مفاهيم خاطئة عنه، أهمها مفهوم انحصار مشكلة الإباحية على الرجال؛ وذلك نظرًا لأن المحتوى الاباحي الذي يُبث غالبًا ما يحتوي على رجال يهينون النساء ويسلعونهن ويعاملونهن كأداة أو وسيلة. كما أنه من النادر أن تشاهد أفلام أو مسلسلات تعرض مشاهد لفتيات يخبئن مجلات إباحية تحت فرشهن أو يوصدن أبوابهن بإحكام حتى يختلن بأجهزتهن الرقمية. نتيجة لتيسّر مشاهدة المحتوى الإباحي وإتاحته للجميع بسبب الإنترنت، لا يمكننا إنكار حقيقة تعرض المراهق في عصرنا الحالي للمحتوى الإباحي، إذ وضحت الدراسات أن معظم المراهقين يتعرضون للإباحية بحلول سن الـ 13.
ووفقًا لاستطلاع وطني للمراهقين في الولايات المتحدة، شاهد 84.4٪ من الذكور من 14 إلى 18 عامًا و57٪ من الإناث من 14 إلى 18 عامًا محتوى إباحي. هذا يعني أن معظم المراهقين يتلقون جزء من معلوماتهم وثقافتهم حول الجنس من المحتوى الإباحي سواء كان ذلك بقصدٍ منهم أو من غير قصد، حيث أفادت إحدى الدراسات أن حوالي 45٪ من المراهقين الذين شاهدوا محتوى إباحي كان بدافع تعلم الجنس. وبالفعل أشارت نتائج أحد الاستطلاعات إلى أن واحداً من كل أربعة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا (24.5٪) سجلوا الإباحية كأكثر مصدر مفيد لتعلم كيفية ممارسة الجنس. ترجع زيادة انتشار تطبيع الإباحية لتيسر مشاهدتها، وجهل الناس بآثارها السلبية الخطيرة المرتبطة بالسلوك القهري وحتى الإدمان أحيانًا. والآمر الآخر، مشاهدة المحتوى الإباحي ليس مقتصرًا على الرجال، بل النساء أيضًا، فوفقًا لدراسة أجريت عام 2018، ما يقدر بنحو 91.5% من الرجال و60.2% من النساء يشاهدون المحتوى الإباحي.
في البداية وللتوضيح، ليس كل من يشاهد المحتوى الإباحي ’مدمن‘. في الواقع، أشار الخبراء إلى أنه في حين أن بعض مشاهديه معرضون لإدمان الإباحية، إلا أن غالبيتهم ليسوا مدمنين. لكن ضع في اعتبارك أن رغم تركيز المقالة على بيان إدمان الإباحية، تؤثر العديد من آثارها السلبية حتى على المشاهدين، بغض النظر عما إذا كانت عاداتهم تشخص إدمانًا. أصبح المحتوى الإباحي بالنسبة لعدد متزايد من الناس، بما فيهم النساء، عادة شخصية طبيعية. لكن أضراره لا تميز بين جنس، أو العمر، أو أي عامل آخر. مما يعني أن أي شخص معرض لآثارها السلبية حتى النساء.
يوضح الدكتور النفسي غاري بروكس الذي تعامل مع أشخاص يعانون من عادات إباحية مكروهة على مدار الثلاثين عامًا الماضية: “لا تعد الأوقات التي اعتاد الشخص قضائها في مشاهدة المحتوى الإباحي لفترة طويلة سوى تجربة محبطة ومهينة تزيد من كره الذات”. وقد اكتشفت الدراسات أن ممارسة الفتيات لنمط ’إخفاء ذات‘ مستمر، يفعلن فيه أشياء مخزية يبقونها سرًا، يضر بعلاقاتهم، ويشعرهم بالوحدة، ويزيد عرضتهم للإصابة باضطرابات نفسية. كما اكتشفت العديد من الدراسات التي رُوجعت علاقة بين مشاهدة الإباحية وعواقب نفسية مثل: الاكتئاب، والقلق، والوحدة، وقلة الرضا عن الحياة، وقلة الثقة بالنفس والصحة النفسية عمومًا. كما اكتشفت زيادة ارتباطهم عندما يكون دافع مشاهدة الإباحية هو محاولة الهرب من المشاعر السلبية، أو حينما تصبح المشاهدة كثيرة وقهرية.
وبناءً على دراسة أخرى أُجريت في الولايات المتحدة، وجد الباحثون علاقة متبادلة وثيقة بين الإباحية والشعور بالوحدة مما دفعهم لاستنتاج الآتي: “توضح النتائج أن العلاقة بين الإباحية والشعور بالوحدة علاقة طردية وثيقة، فالذين يشاهدون الإباحية أكثر عرضة للشعور بالوحدة، وبالمقابل الذين يشعرون بالوحدة أكثر عرضة لمشاهدة الإباحية، وهذه النتائج تتوافق مع الأبحاث التي تربط مشاهدة الإباحية بالأثر السلبي”.
بالرغم أنه من الشائع لمشاهدي الإباحية أن يشاهدوها كوسيلة للهروب من الواقع أو كأسلوب لتهدئة النفس، أثبتت الدراسة أن الحالة النفسية والعاطفية للذين يشاهدون الإباحية للهروب من المشاعر السلبية في الحقيقة أسوأ من غيرهم. كما بحثت دراسة أخرى في العلاقة بين مدى تكرار مشاهدة الإباحية عبر الانترنت والاضطرابات النفسية، خصوصًا في حالات “التجنب التجريبي” وهو محاولة تجنب المشاعر السلبية، فوجدت هذه الدراسة أن مشاهدة الإباحية باستمرار له علاقة وثيقة بزيادة الاكتئاب، والقلق، والتوتر، وضعف الأداء الاجتماعي.
ووجد باحثون من جامعة كولومبيا، وجامعة ييل، وجامعة كالفورنيا لوس انجلوس في دراسة أخرى علاقة بين المشاهدة القهرية للإباحية وضعف الصحة النفسية والثقة بالنفس والترابط في العلاقات. فنستنتج في نهاية المطاف، أن الإباحية لن تنفعك إطلاقًا في حل مشكلات حياتك، بل ستصبح أحد مشكلاتك.
هل ترغب بسماع المزيد؟ لنستمع لبعض التجارب الحقيقية التي تؤكد ما تقوله الأبحاث، بالأسفل قصة لسيدة يافعه عانت من الآثار السلبية الواقعية للإباحية.
بدأ يتفاقم هوس نيكول القهري في عمر 13 عاماً، واستمر على نحو متقطع أثناء نموها، وقد كان يشتد حينما تمُر بمراحل انفصال صعبة. ورغم أنها الآن تتبع خطة علاجية، استغرق منها اتخاذ هذه الخطوة وقتاً طويلاً.
“لم أطلب المساعدة للتخلص من إدماني لأنني شعرت بأني غريبة الأطوار، فقد كنت على يقين بأنني المرأة الوحيدة التي تعاني من اضطراب يصيب الرجال. أتذكر حينما كنت أبحث عن مقالات ومدونات عن التعافي من الإدمان على الإباحية وكل ما وجدتهُ كان عن الرجال، وللرجال، وكتَبه رجال؛ لذلك اعتقدت بالطبع أنني كنت الوحيدة”.
لا يجب أن يشعر أي شخص بغض النظر عن جنسه بالعار بسبب مشكلة يعاني منها. حينما سألنا نيكول عما تريد قوله للفتيات الأُخريات اللاتي يعانين من ذات المشكلة، خاصةً المراهقات، قالت: “أدركِي بأنك لست الوحيدة إطلاقًا، وبأن قيمتك لن يحددها أو يغيرها هذا الإدمان؛ لذلك اطلبي المساعدة، وجدي شخصًا ثقة. أعدك بأنك ستتخلصين من هذا الإدمان.”
أصبحت الإباحية سائدة ومقبولة جدًا كونها جزءًا من التعبير الجنسي الطبيعي، ولكن الأبحاث والدراسات أظهرت قصةً مختلفة. ففي حالات خاصة تحولت مشاهدة المواد الإباحية إلى الإدمان. وحتى بصرف النظر عن إمكانيات تحولّها إلى عادة، تبقى الإباحية مشكلة تواجه الجميع بغض النظر عن جنسهم.
حان الوقت لنخطو خطوةً جادة للتخلص من انعزالية من يعانون من مشاهدتها وشعورهم بالعار، فالإباحية لا تجعلك شخصًا سيئًا، وهناك أمل للتعافي منها طالما لديك الإرادة.
المترجمات: لبنى اليامي، ملاك الدعيلج، ندى كامل القرشي، هيفاء فهد الزهراني، ود معزي البلوي.التدقيق النهائي لترجمة المقال: رغد بن حسن. |