عفة لتعزيز الفضيلة

هل تَحِلّ المواد الإباحية مَحَلَّ الزواج لدى الشباب والشابات؟

إعداد: مايكل مالكون وجورج نوفال

نُشِرَت في شهر نوفمبر 2014م

 

شهِدَت الولايات المتحدة تغييرات سكانية خطيرة في المنظومة الأسرية على مدى بِضْعِ عقود زمنية مضت، فقد بلغ انخفاض حالات الزواج نسبة قدرها 39 ٪ بين عامي 1950م و2010م، بينما بلغت نسبة ذلك الانخفاض 17 ٪ بين عامي 2000م و2010م . وقد ارتفعت أعداد الرجال العازبين في عصرنا الحالي الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاما ممن لم يسبق لهم الزواج بمعدل ستة أضعاف عما كانت عليه في عام 1970م، كما ازدادت أولئك العازبين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 عاما بمعدل أربع أضعاف عما كانت عليه في ذلك العام، إضافة إلى تضاعف احتمالية انتهاء معظم الزيجات اليوم بالطلاق مقارنة بأعداد الزيجات التي انتهت بالطلاق عام 1950م.

 

ومن المعلوم أن الإشباع الجنسي هو أحد الأسباب التي تحث الشباب على الزواج، ولكن عندما ينفتح الباب على مصراعيه لخيارات الإشباع الجنسي التي يجدونها خارج نطاق الزواج فسيتضاءل إقبالهم عليه لتلبية هذه الحاجة الغريزية. وقد ذكرت إحصائيات معاهد الصحة الوطنية الأمريكية بأن نسبة الشباب الذين يبلغون من العمر 20 عاما ممن قارفوا الزنا قبل الزواج ارتفعت بنسبة حوالي 50 في المائة في الفترة بين أواخر الخمسينات والتسعينات الميلادية. كما أن هناك إحدى الطرق الأخرى التي يسلكها الشباب بحثا عن الإشباع الجنسي قبل الزواج، ألا وهي مشاهدة المواد الإباحية التي أصبحت في متناول الجميع وانتشرت بين الشباب بحكم توافر خدمة الإنترنت واجتياحها للعالم.

 

وبما أن سهولة الوصول إلى المواد الإباحية أتى متزامنا مع التغيرات الكبيرة في السلوكيات الزوجية فإن العلاقة السببية بينهما تُعَدُّ مسألة بديهية، حيث بحث المسح الاجتماعي العام مجموعة من الأسئلة التفصيلية عن استخدام الإنترنت في الفترة ما بين عامي 2000م و 2004م،  كما رصد معلومات سكانية شاملة، بما في ذلك الحالة الاجتماعية. ونستنتج من هذه البيانات الجزئية أن هناك قابلية كبيرة لدى الشباب لاتخاذ استخدام الإنترنت والمواد الإباحية بديلا عن الزواج، حيث ترتبط كثرة استخدام الإنترنت عامة والمواد الإباحية خاصة بانخفاض معدل الزيجات؛ بل إن ازدياد سهولة الوصول إلى المواد الإباحية يعد عاملا هاما مسببا للعزوف عن الزواج واستقرار الحياة الزوجية.

 

إن معظم الأبحاث الحالية التي أجريت عن المواد الإباحية هي في مجملها بحوث نوعية تعتمد على حالات معيَّنَةٍ، وتهدفُ إلى فهم السمات الشخصية لمتعاطي المواد الإباحية وتأثيرها على سلوكياتهم. وقد توصل الباحثان لو ووي عام 2005م وكذلك الباحث تشان عام 2007 م إلى أن تعاطي المواد الإباحية مرتبط بالنظرة السلبية تجاه المرأة والسلوك الجنسي المتحرر قبل الزواج عمومًا، مما يؤدي إلى ارتباط ذهني سلبي تجاه فكرة الزواج.

 

ومن أهم الأبحاث الجديرة بالذكر عن هذا الموضوع هو البحث الذي أجراه ستاك وآخرون عام 2004م،  لاستعانتهم أيضا ببيانات من المسح الاجتماعي العام لدراسة السمات الشخصية لمتعاطي المواد الإباحية، حيث توصلوا إلى أن متعاطي المواد الإباحية يميلون ميلا شديدا لاقتراف سلوكيات جنسية منحرفة أخرى، مثل الزنا والدعارة، وبالمقابل يعيشون حياة زوجية تعيسة.

وهناك بعض الأبحاث التي تناولت تأثير المواد الإباحية على الحياة الزوجية، حيث أشار الباحثان دوران وباريس عام 2014 م إلى أن البالغين الذين يشاهدون الأفلام الاباحية غالبا ما يشعرون بتعاسة حياتهم الزوجية ويقيمون علاقات محرمة، ومعظمهم تنتهي حياتهم الزوجية بالطلاق. كما يرى الباحثون مانينغ ووزيتسمان وبتلر في بحث أجروه عام 2006م  أن تعاطي المواد الإباحية للمتزوجين يقلل من مستوى سعادتهم واستقرار علاقتهم الزوجية.

ويشير مانينغ إلى وجود عدد من العوامل التي تجعل تعاطي المواد الإباحية يولد عدم استقرار الحياة الزوجية، مثل عدم الشعور بالرضى والاكتفاء الجنسي وكذلك البرود الجنسي في العلاقة الحميمية بين الزوجين، إلى جانب شعور الزوجات بأن مشاهدة المواد الإباحية يعتبر نوعا من أنواع الخيانة الزوجية، ولم تخص هذه الأبحاث الحث على الزواج بالدراسة رغم أن قلة الانتفاع من الزواج تؤثر على رغبة الشخص به عندما يفكر تفكيرا منطقيا حين يريد الإقدام على اتخاذ تلك الخطوة.

 

إن انخفاض نسب حالات الزواج وعدم استقرار الحياة الزوجية الحاصل يتسبب في حدوث عدد من التغيرات السكانية والاجتماعية والاقتصادية. ويرى الباحث فريدمان أن العلاقات الزوجية المستقرة تساهم في رفع مستوى سعادة ورفاه المجتمع، ولاسيما أن استقرار الحياة الزوجية يسهم في تنشئة صحية ومثالية للأطفال.

وختاما: لقد سلطنا الضوء في هذه الورقة البحثية على فرضية حُلولِ الإنترنت الذي انتشر استخدامه مَحَلّ الزواج بطريقة ما، ولاسيما أن تعاطي المواد الإباحية من شأنه أن يوفر إشباعًا جنسيًا منخفض التكلفة، وإذا أصبح هناك بديل منخفض التكاليف لأحد أهم الأسباب التي تحث الشباب على الزواج فمن الطبيعي أن نتساءل عن إلى أي مدى تحِلُّ المواد الإباحية مَحل الزواج؟!

 

تشير النتائج في هذه الورقة البحثية إلى وجود ارتباط بين تعاطي المواد الإباحية وعزوف الشباب عن الزواج، واحتمالية ارتفاع تلك المعدلات. إن الوصول إلى الإنترنت المتاح للمستخدمين في هذا الزمن على نطاق واسع يأتي مصحوبًا بارتفاع معايير المعيشة، وبالتالي تشير النتائج إلى أن الانتشار التقني والوصول إلى المواد الإباحية تحديدًا هو عامل ٌسببي تكمن وراءه تلك التغيرات السكانية السريعة التي تحدث تزامنا مع النمو الاقتصادي.

 

 

 

المترجمات:  ريما فهد – هناء الفارس – ود البلوي

المدققة:  غادة العتيبي

التدقيق النهاية لترجمة المقالة: هاجر العمري

 

 

 

 

 

 

شركاء النجاح

حمل تطبيق جمعية عفة