عفة لتعزيز الفضيلة

أربعُ مشكلاتٍ معاصرة تتسبَّب المواد الإباحية بوقوع المراهقات فيها  

 

شهد المحتوى الإباحي تحولا كارثيًّا في العقدين الماضيين، فبعد أن كان الوصول إليه فيما مضى صعبًا ولم تكن تُشترى المجلات والأفلام الإباحية إلا خلسةً أصبح من السهل الوصول إليه بحيث لا يتطلب سوى ضغطة زر، إضافة إلى أنه مجاني ومتنوع ومدمر للفرد والمجتمع، مما يجعل منه مشكلة تثير قلق أولياء أمور الأطفال والمراهقين؛ لقد تغير مجال الترويج للجنس والمحتوى الإباحي تغيرا كبيرًا في الآونة الأخيرة، فهل أنت مدرك لمدى سهولة وصول أطفالك إليه؟ وهل تعلم كم عدد المرات التي وقعت فيها أعينهم على محتوى إباحي، حتى لو لم يبحثوا عنه عمدًا؟ هل تعلم ما إذا كان أطفالك قد شاهدوا محتوى إباحي؟ لقد أظهرت نتائج أغلب الدراسات الحديثة أن الأطفال وخصوصًا الذكور منهم قد رأوا محتوى إباحيا لأول مرة قبل سن الثانية عشرة. إذن، ما هو تأثير تلك المشاهد الإباحية على أطفالك؟

 

لطالما أقلقت أضرار المحتوى الإباحي المختصين في علم النفس والسلوك والاجتماع، ولكن أصبح عالم الإباحية اليوم مختلفا تماما عما كان عليه في العقود الماضية، إذ ازداد تنوع المحتوى الإباحي وتيسّر الوصول إليها ومشاهدتها التي زادت من خطورتها وإثارتها لمخاوف وقلق المختصين، إذ أدى انتشاره غير المسبوق إلى ظهور تصنيفات للمحتوى الإباحي أشد فتكًا وعنفًا على الفرد والمجتمع.

 

أضرار المحتوى الإباحي على النساء

 

ارتبطت مشكلات المحتوى الإباحي لعقود طويلة بجنس الذكور، فهم من كانوا يتعاطونه ويُنتَج خصيصًا لهم، ورغم عدم تغير هذا الوضع كثيرًا فإن نسبة الإناث اللاتي يشاهدن الإباحية ارتفعت مؤخرًا ارتفاعا خطيرًا يسبب لهن ولأحبابهن مشكلات كثيرة. ويُمثل المراهقون والمراهقات الفئة الأكثر عرضة لاستكشاف المحتوى الإباحي والإصابة بإدمانه، ففي الوقت الحاضر ازداد تعلق المراهقات به ازديادا يفوق ما كان عليه في العقود الماضية، مما خلّف لديهن أضرارًا نفسية وعاطفية وجسدية كارثية تؤثر عليهن وتستمر لفترة طويلة، وخصوصا المرهقات اللاتي تعانين أصلًا من مشكلات نفسية وعاطفية، أو أن علاقاتهن الأسرية غير مستقرة، أو تمارسن البغاء. وقد قسَّم أخصائيو علم النفس والاجتماع طرق إضرار المحتوى الإباحي المعاصر بالمراهقات إلى أربعة أقسامٍ سعيا منهم إلى مساعدة المراهقات اللاتي يعانين من مشكلات نفسية أو عاطفية أو أسرية على تجنب أضرار المحتوى الإباحي وتوعية الوالدين بخطورته على أبنائهم وبناتهم في سن المراهقة.

 

أربعة أضرار معاصرة للمحتوى الإباحي على المراهقات:

 

  1. عدم ثقة المراهقات بمظهر أجسادهن:

تعتبر مشكلة عدم ثقة المرهقات بمظهر أجسادهن وحرصه على أن تبدو أجسادهن في أجمل صورة مشكلة عالمية وأزلية، فأجساد المراهقات تتغير بسرعة وببطء، مما يثير قلقهن بشأن مظهر أجسادهن ورأي الأخرين بها، بل وحتى المراهقات ذوات الأجسام الرشيقة والنضرة تمر بهن أوقات يشعرن بها بعدم ثقتهن بمظهرهن. إذن، فما الذي سينتج من زعزعة لثقة المراهقات بمظهر أجسادهن حين نضيف المحتوى الإباحي إلى ما سبق ذكره؟ يقود فضول المراهقات عن أجسادهن والمظهر الذي ينبغي أن تبدوا به إلى مشاهدة المحتوى الإباحي الذي بدوره سيزيد من سوء المشكلة بالطبع بدلا من حلها.

 

إن أول ردة فعل للمراهقات اللاتي يعانين من قلة الثقة بمظهر أجسادهن عند مشاهدتهن للمحتوى الإباحي هي مقارنة أجسادهن بأجساد أولئك الممثلات في المحتوى الإباحي، غير مدركات بأن أجساد الممثلات غالبًا ليست طبيعية، لأن كثيرا منهن قد أجرين عمليات تجميل وتعديل لأجسادهن، إضافة إلى التأثيرات المبهرة التي يضيفها منتجو ذلك المحتوى، ناهيك عن أنهم يعرضون ممثلات يمتلكن في الأصل أجسادا رشيقة ومتناسقة لا تمثل معظم أجسام النساء الطبيعيات، مما يجعل المراهقات تحت تأثير الرغبة الملحة في ضرورة امتلاكهن لنفس تلك الأجساد حتى تصبحن مرغوبات جنسياً أو تنجحن في علاقتهن الجنسية. ومما يؤسف أن إحدى الدراسات التي أجراها لوفقرين ومارتينسون ومونسون عام 2010م أثبتت صحة ذلك، إذ توصلت إلى أن المراهقات يقارنّ أنفسهن بالممثلات في المحتوى الإباحي، مما يشعرهن بأنهن “غير جذابات” ويجعلهن يتمنين “امتلاك نفس تلك الأجساد المثالية”.

ومن المشكلات الأخرى التي يتسبب بها المحتوى الإباحي بالتأثير على المراهقات بالنسبة لمظهر أجسادهن هي مشكلة تسليع المرأة والتركيز على جسدها دون روحها، فلا يظهر المحتوى الإباحي عادةً المرأة بأنها إنسانة لها شخصية واستقلال فكري، بل قد لا يظهرها بمظهر الإنسانة حتى! الأمر الذي يوهم من تشاهدن تلك المشاهد من المراهقات اللاتي تعانين من مشكلات بأن الرجال لا ينظرون إليهن إلا بنظرة مجردة كالسلع فحسب، فيدفعهن ذلك إلى ارتداء ملابس خليعة للتباهي بأجسادهن، بل وحتى تسليع أنفسهن.

 

  1. اكتساب المراهقات مفهوما خاطئا للعلاقة الزوجية الحميمية:

ثاني الأضرار الرئيسة للمحتوى الإباحي على المراهقات هو تشويه صورة العلاقة الحميمية الزوجية في أذهانهن، إذ أن العلاقات الجنسية التي تظهر في المحتوى الإباحي نادراً ما تكون واقعية، هذا إن وُجِدت علاقات جنسية واقعية في المحتوى الإباحي، إذ أن معظم المحتوى الإباحي يُنتَج للذكور، مما يجعله يركز على إظهار ممارسة الجنس دون اهتمام بأي نوع من التواصل والارتباط العاطفي، فتتوهم المراهقات بأن الرجال لا يتواصلون تواصلا عاطفيًا وحميميًّا مع النساء، وأن خلو العلاقة الجنسية من الارتباط العاطفي أو التركيز على إرضاء طرف دون الآخر أو حتى العنف الجنسي من مُسلّمات وأسس هذه العلاقة (المصدر: موقع “علم النفس اليوم”). كما توصلت دراسة أجريت عام ٢٠٠٨م إلى أن المراهقين الذين يشاهدون المحتوى الإباحي باستمرار هم الأكثر عرضة للوقوع في الزنا (بيتر وفالكينبورغ). إذن، فالمحتوى الإباحي يوجه لمن تشاهدنه من المراهقات رسائل خاطئة خطيرة ومدمرة تستسهل فظاعة وخطورة الزنا.

 

  1. تعرض المراهقات للمشكلات جنسية:

تعتبر فترة المراهقة فترة حساسة فيما يتعلق بالنمو الجنسي، إذ يمر المراهقون أثناءها بتغيرات جنسية وجسديه وتتكون لديهم الرغبات ويشعرون بالفضول الذي يساعدهم على تكوين هويتهم الجنسية ونشاطهم الجنسي الذي يستمر أثره حتى بلوغ سن الشباب، لذلك فمن المفترض أن يتم هذا التغير على نحو سليم، إلا أنه قد ينحرف للأسف تمامًا عن مساره الصحيح عند تدخل المحتوى الإباحي، فتعرُّض المراهقات لهذا المحتوى يكوّن لديهن مقياسا خاطئا عما هو طبيعي، وذلك يعتبر أمرا خطيرا جداً في ظل عالم الإباحية الحالي الذي يحتوي على عدد لا محدود من المحتوى المتنوع، إذ لا يوجد فيه حد يفصل بين ما هو طبيعي وما هو شاذ بالنسبة للعلاقة الجنسية، هذا إن وُجِدَ تصوير إباحي طبيعي من الأساس! فتشاهد الفتيات ممارسات جنسية شاذة وغير واقعية تماما، ولكن نظرًا لجهلهن يعتقدن أنه نشاط جنسي طبيعي.

ولا تنحصر هذه المشكلة في تعليم المحتوى الإباحي للفتيات الصغيرات الممارسات الجنسية الضارة والشاذة فقط، بل يصيبهن التبلد عند استمرارهن في مشاهدته، مما يدفعهن إلى مشاهدة ممارسات جنسية أخطر وأعنف لإشباع فضولهن. ويظهر أثر ذلك في الواقع من خلال وقوعهن في الزنا، وخوضهن مغامرات جنسية متهورة، والدخول في علاقات جنسية افتراضية على الانترنت تضر بهن. كما توصلت دراسة أجريت عام 2008م إلى أن المراهقين مدمني المحتوى الإباحي يقعون في الزنا أو غيره من الممارسات الجنسية للمرة الأولى في سن أصغر من أقرانهم.

 

  1. إدمان المراهقات للإباحية:

أثبت علماء النفس والأطباء والمستشارين الأسريين في السنوات الأخيرة شدة خطر إدمان المحتوى الإباحي وأقروا بأضراره الجسيمة، إذ توصلوا إلى إمكانية وقوع المرء في إدمان المحتوى الإباحي وكيف يفسد حياة المدمن وحياة أفراد أسرته جميعا أيضا، فقد يبدأ الإدمان بسبب اضطراب في العلاقات أو اضطراب عاطفي أو فشل في أداء الوظائف والمسؤوليات في العمل أو المدرسة ( المصدر: موقع ” إرشادات نفسية”)، وبعد ازدياده ستظهر على المدمن نفس أعراض إدمان المخدرات، إذ يفعل المدمن أي شيء ليشعر بتلك النشوة. كما أظهرت دراسة أجريت عام 2015م أن مشكلة مشاهدة المحتوى الإباحي تَظهر في انخفاض مستوى رضى الشخص وازدياد تهيج سلوكياته الإدمانية الأخرى.

ولا ينحصر إدمان المحتوى الإباحي على المراهقين فقط -كما يعتقد الكثير، بل إن المراهقات أيضا معرّضات لهذا الخطر الفتاك. ومن الحقائق المخيفة أن الاضطرابات الصحية والنفسية والعاطفية التي تصاب بها المراهقات بكثرة تلعب دورًا مهمًّا في وقوعهن في شباك هذا الإدمان وتفاقمه، مثل الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب وغيرها من اضطرابات الشخصية، كما يؤدي إهمال علاج الإدمان الجنسي إلى تطوره الذي يتسبب بوقوع المدمن والمدمنة للإباحية في عواقب وخيمة.

الترجمة:

سارة عايش – فاطمة الربعي – شيماء الملحم – نهى إبراهيم

 

التدقيق:

رغد بن حسن – ود البلوي – غادة ماجد

 

التدقيق النهائي لترجمة المقالة: هاجر العمري

 

شركاء النجاح

حمل تطبيق جمعية عفة