
يعامِل كثيرٌ من الشباب المواد الإباحية معاملة الدليل الإرشادي ومصدرا لتلقي المفاهيم الجنسية، ومن المؤسف أن المواقع الإلكترونية الإباحية لا تحتوي على أي إشعارات توعوية لتحذير روادها بمخاطر المواد الإباحية وأضرارها، بل تروج لمحتواها بأنه مصدرٌ للمتعة والترفيه اللامحدود، حيث تسبب مشاهدة المواد الإباحية مع مرور الوقت تغييرًا خطيرًا في الدماغِ كأيٍّ من المواد والسلوكيات المسببة الإدمان، كما أنها تعزز في مشاهدها ومتعاطيها سلوكياتٍ ضارة تطال أعضاء أخرى من جسمه. إذن فسؤالنا الذي نريد أن نطرحه، ما هي تلك الأضرار الجسدية التي يورِّثُها تعاطي المواد الإباحية؟
إن ضعف الانتصاب هو أكثر التغيرات الجسدية التي صرح الرجال الذين لجأوا إلى العلاج في مواقع التعافي بأنها أثارت قلقهم، وخاصة الذين كانت تقل أعمارهم عن 40 عامًا، إذ فقدوا القدرة على تصلب وانتصاب القضيب الذكري، أما بالنسبة للرجال الآخرين من متعاطي المواد الإباحية، فيعانى كثير منهم من تأخر القذف أو بطء استجابتهم وتفاعلهم الجنسي مع زوجاتهم، الأمر الجدير بالذكر هو أن المصابين بضعف الانتصاب الناجم عن تعاطي المواد الإباحية لا يعانون من ضعف الانتصاب عند تعاطيها، بل حين يشرعون في العلاقة الحميمية مع زوجاتهم فحسب، مما يعني أن كثيرا من متعاطي المواد الإباحية العزّاب لا يدركون أصلا بأن لديهم مشكلة في الانتصاب.
وكما ذكرت الباحثة الرئيسية في جامعة كامبريدج فاليري فون:” إن متعاطي المواد الإباحية عانوا من صعوبة كبيرة في الإثارة الجنسية والانتصاب أثناء العلاقة الجنسية الحميمية التي لم يعانوا منها أثناء مشاهدتهم للمحتوى الإباحي الخادشِ مقارنة بالمتطوعين الأصحاء.”
وهذا يدل على أن تعاطي المواد الإباحية يسبب مشاكل عويصة بين الزوجين في أوقات ممارستهما للعلاقة الحميمية، حيث يشعر الزوج بالعجز لعدم قدرته على تحقيق أداء جنسي مُرضٍ أو تظن الزوجة بأنها غير قادرة على إثارة رغبة زوجها الجنسية، إضافة إلى تسببه لكثير من الرجال بالخجل والإحراج والانزعاج الشديد أو الشعور بالعجز أمام زوجاتهم.
لنفترض على سبيل المثال وجود حالةٍ لشاب محافظ صان نفسه عن الزنا حتى تزوجَ ولكنه كان مدمنا للمحتوى الإباحي عوضا عن الزنا لإشباع رغباته، ثم اكتشف بعد زواجه عجزه عن مجامعة زوجته، وظل على حالته تلك لمدة عامين لأنه لم يكن مدركا بأن تعاطيه للمواد الإباحية هو سبب عجزه الجنسي، وبعد مرور تلك الفترة طلبت زوجته الطلاق، ثم إنه شاهد حينها بالصدفة مقطعا مرئيا لغاري ويلسون (مؤلف ومرشد اجتماعي مهتم بقضايا مشاكل الإباحية وتأثيرها على الفرد) فأدرك منه بأن تعاطي المواد الإباحية لفترة طويلة يسبب مشاكل جنسية وضعفا في الانتصاب. لعل زوجته أن تتراجع عن قرارها ونتمنى لهما استمرار حياتهما الزوجية كون تلك الحالة قابلة للعلاج. وبعد طرح هذه الحالة نريد أن نتساءل، كم يا ترى يبلغ عدد العلاقات الزوجية التي باءت بالفشل نتيجة تعاطي المواد الإباحية عبر الإنترنت؟!
من المبشر بالخير أن توقف الرجل عن إدمان المواد الإباحية عبر الإنترنت لفترة يحل مشكلة الانتصاب فيعود إلى وضعه الطبيعي، إلا أن ذلك لربما يستغرق شهورًا أو أعوامًا لدى بعض الحالات المستعصية. ومن الغريب أن استعادة الشباب لأدائهم الجنسي الطبيعي بعد التوقف عن إدمان المواد الإباحية يستغرق وقتا أطول من الرجال ذوي الأعمار الأكبر سنا، ولعل السبب في ذلك هو أن كبار السن بدأوا بتعاطي المحتوى الإباحي من المجلات والأفلام الذي لا يوازي وفرة المحتوى الإباحي عبر الإنترنت واستمرارية تعاطي الشباب له بالقدر الذي يؤدي إلى تكيفهم الجنسي العميق وتكوّن المسارات العصبية في الدماغ الناتجة عن مشاهدة مقاطع الفيديو الإباحية عبر الإنترنت بدلا من الاعتماد على الخيالات الجنسية، وفيما يلي بعض النتائج البحثية:
– في إيطاليا (عام 2013): بينت الإحصائيات أن نسبة إصابة الرجال بضعف الانتصاب الحاد ممن تتراوح أعمارهم بين 17-40 عامًا بلغت 49% من الشباب و40% لدى كبار السن منهم.
– في الولايات المتحدة الأمريكية (عام 2014): أشارت الدراسات إلى أن 54% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16-21 عامًا يعانون من مشاكل جنسية، و27% منهم يعانون من ضعف في الانتصاب، و21% منهم يواجهون مشاكل في الوصول إلى النشوة الجنسية.
– في المملكة المتحدة (عام 2013): أفاد خُمس مجموع الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 16-20 عاماً في جامعة شرق لندن أنهم يعتمدون على المحتوى الإباحي في استثارتهم لممارسة الجنس الواقعي.
– في دراسة أجرتها جامعة كامبريدج (عام 2014) على مجموعة من الشباب يبلغ متوسط أعمارهم 25 عامًا، صرح 11 من أصل 19 شابًّا أن تعاطي المواد الإباحية تسبب لهم بمشاكل في الانتصاب والرغبة الجنسية، إلا أنهم لا يواجهون تلك المشاكل عند تعاطيهم للمواد الإباحية.
تهدف المشاهد الإباحية إلى عرض سلوكيات مخزية تثير غرائز مشاهديها الجنسية، حيث يُرغَم ممثلي تلك المشاهد عليها أو تدفع لهم أجورًا تجعلهم يفعلون سلوكيات مشينة لا يفعلونها في حياتهم اليومية، كما أن تلك الصناعة الإباحية تتاجر بكثير من نجمات تمثيل المشاهد الإباحي من أجل إنتاج هذه الأفلام الساقطة التي يُنتَج معظمها في وضع غير مشروع قانونيًّا؛ فتعرض ممارسات سلوكية إباحية خطرة دون اكتراث بأضرارها الصحية.
أشارت أبحاث حديثة عديدة إلى ارتفاع مستوى عدوانية وهيمنة بعض الرجال أثناء ممارستهم للعلاقة الجنسية، وعلى الأرجح أن هذه السلوكيات المشينة نابعة من تعاطيهم للمواد الإباحية عبر الإنترنت، حيث أجريت دراسة عام 2010 م عن محتوى أفلام الفيديو الرقمية الأكثر مبيعًا حللت محتوى 304 مشهدًا وكانت النتيجة هي احتواء 88.2% من هذه المشاهد على اعتداءات جسدية، أما 48.7% منها فقد احتوت على اعتداءات لفظية تصدرتها الشتائم، كما أن معظم أولئك المعتدين كانوا من الذكور المتهجمين على الإناث اللاتي كانت تظهر ردود أفعالهن تجاه تلك الاعتداءات إما بالاستمتاع بها أو عدم رفضها.
كما توصلت دراسة ألمانية حديثة إلى أن الرجال الذين يمارسون السلوكيات الجنسية العنيفة القسرية هم من مدمني متابعة الأفلام الإباحية ومعاقري الخمور قبل وأثناء ممارسة العلاقة الجنسية، وقد استقصت هذه الدراسة أيضا ميول الرجال الألمان وممارستهم لعدد من التصرفات والسلوكيات المهيمنة التي لوحظت في تحليل الدراسة سابقة الذكر لمحتوى الأفلام الإباحية وعلاقته بالتصرفات الذكورية العنيفة، حيث ثبت وجود ارتباط بين اهتمام الرجال بمشاهدة الأفلام الإباحية المشهورة وإدمانهم للمواد الإباحية وبين ممارستهم أو رغبتهم في ممارسة السلوكيات العنيفة. وتؤيد نتائج هذه الدراسة غيرها من الأبحاث التجريبية السابقة في اتسام الرجال الممارسين للسلوكيات الجنسية المهيمنة بمشاهدة وتعاطي المواد الإباحية ومعاقرة الخمور قبل وأثناء ممارستهم للجنس.
المترجمات: خديجة الحميدي – هناء الفارس- مشاعل محمد
المدققات: ود معزي البلوي- مرام وليد- رغد بن حسن التدقيق النهائي للمقالة: هاجر العمري
|